الجمعة، 26 سبتمبر 2014

من يريد السلم .. يجب أن يتجّهز للحرب الجزائر تدفع ثمن مواقفها المرجّحة للسلم في زمن حروب ليبيا، مالي و داعش

أعادت حادثة اختطاف ومقتل الرعية الفرنسي  هارفي غورديل  بجبال تيزي وزو السيناريو القديم للجزائر في دفع ثمن مواقفها في ترجيح الحل السلمي على الحلول العسكرية في مناطق الصراعات، وجاءت هذه الحادثة في ظلّ ثلاثة تحديات أمنية، وترفض الجزائر أن يكون التدخل العسكري حلا فيها، الأوّل بليبيا، الثاني لمالي والثالث في العراق.

ما الذي قدِم بـ  هارفي غورديل  إلى منطقة معروفة بخطورتها، وأكثر كيف يقدم على مغامرته في تسلق جبال تيكجدة والإليزيه، و يوزّع على رعاياه قائمة بـ29 بلدا، مطلوبا توخي الحذّر بها ومن بينها الجزائر، كيف ربط  غورديل  الاتصال بمرافقه  كريم أوقارا ، وكيف سطت  جند الخلافة  على دور البطولة في السيناريو، وأي مسؤولية تتحملها باريس، وقد غامر رعيتها  هارفي  في منطقة خطرة، تعرف تكشير مخالب الجماعات الإرهابية لأنيابها بها، ولم يأخذ بتحذير مجلس الأزمات التابع لوزارة الخارجية الفرنسية، وأكثر لم يبلغ السلطات الجزائرية مثلما هو مطلوب لتأمين تنقله في منطقة غير عادية، ولماذا سجّل  الشالي  الذي أقام به باسم أحد مرافقيه، وكيف أمّن له مرافقه في رحلة الموت الحصول على تصريح بالإقامة، التي منحته التأشيرة لدخول الجزائر هذا من جهة، ومن جهة أخرى، أيّ مسؤولية لباريس، وقد كان واسطة  هارفي  فرنسي آخر، هو  كريم أوقارا  الذي يحمل جنسية مزدوجة جزائرية وفرنسية، وهو مرتبط بفرنسا أكثر من ارتباطه بالجزائر بحكم إقامته بمدينة ليل، ما يعني أنّ اللّعبة بدأت من فرنسا وأدى الأدوار فيها فرنسيّون، ونتيجتها تمسّ بفرنسا، وما وراء النتيجة البيّنة للرأي العام العالمي من أنّ ما حدث هو إعدام جماعة إرهابية لرعية فرنسي بسبب قيام بلده بالإعلان على الحرب ضدّ  داعش ، هو استهداف للجزائر من خلال الترويج لتنظيم فوق أراضيها المتمثل في  جند الخلافة  الذي وقّع شهادة ميلاده أمام المجتمع الدولي بعد تصفية  هارفي ، والأكثر هذا التنظيم ليس إلا ورقة من أوراق  داعش ، أعلن هولاند أنّ بلده ماضية في محاربته في إطار الحرب الكونية الثانية ضدّ الإرهاب في منطقة الشرق الأوسط، وكلّ هذه تساؤلات لا تجد تفسيرا لها إلا في مثلث حرب مالي، ليبيا و داعش ، أين تقاطعت قراءات المتابعين، إثر قضية قتل  هارفي  عند مقولة أنّ  من يريد السلم، يجب أن يتجهّز للحرب . لم تمر قضية مقتل الرعية الفرنسي  هارفي غورديل  دون أن يتساءل المتابعون إن كان  هارفي  سائحا أم مكلّفا بمهمة، وسرعان ما تحاول السؤال إلى متسلّق جبال مغامر إلى كبش فداء، بتبرير باريس لحربها ضدّ  داعش ، ويقدّم احتمالين أوّلهما أن يكون  هارفي  وقع في فخ مآمرة بين وسيطه الذي قدّم له الدعوة لزيارة الجزائر وخوض المغامرة الخطيرة و جند الخلافة  المزعومة، وثانيهما أنّ فرنسا قدّمت  هارفي  عربونا لحربها، لكن بين الاحتمالين يبرز تأكيد أنّ الجزائر دفعت من خلال قضية  هارفي  ثمن مواقفها المتشدّدة، بعدم المشاركة في حرب الحلفاء الجدّد، أي مراوغة جديدة لحشر الجزائر في الزاوية، لمراجعة موقفها أو على الأقل لحلحته، والسؤال هو.. هل ستنجح المراوغة الجديدة وقد فرض  جند الخلافة  إعلاميا على الجزائر، كدولة متضرّرة من إرهاب  داعش ؟ وفي خضّم هذه الحرب الخفية لإجبار الجزائر على التنازل عن مبدئها في عدم التدخل، وزحزحة ثباتها على ترجيح الحل السياسي على العسكري في كلّ من مالي وليبيا، ورفضها المشاركة في حرب  داعش ، تبقى الجزائر ترى نفسها غير معنية بالحرب المعلنة ضدّ  الدولة الإسلامية ، رغم تفريخ  جند الخلافة  بأراضيها، وتبقى مصرة على موقفها بعدم التدخل العسكري في ليبيا والدفع بالمفاوضات بين الحركات الأزوادية والحكومة المالية، رغم الضغوطات التي تكابدها، وآخرها قصة اختطاف وقتل  هارفي ، مثلما بقيت مصرة على موقفها في رفض المشاركة في الحرب ضدّ العراق في 1991، أين ردّ الرّئيس الشاذلي بن جديد على طلب الرئيس، جورج بوش الأب بإرسال الجزائر لقوات رمزية إلى  حجر الباطان  في السعودية للانضمام إلى القوات العربية التي كانت تستعد لضرب العراق تحت راية الغرب، بأن الجزائر لن ترسل أيّ جندي ولو بزي مدني إلى السعودية، ورفضت الجزائر الحرب على العراق في 2003، ولم تتوقف محاولات الأمريكيّين لجرّ الجزائر لمستنقعات حروبهم، ففي 2006 سرّبت وثائق  رامسفيلد  الذي كان بإدارة الرئيس بوش الابن، وعبر برقية بتاريخ 15 فيفري 2006، تبين أن  رامسفيلد  دعا إلى إشراك الجزائر رفقة بلدان مغاربية أخرى في قوات التحالف، وجاء في البرقية   ألا تعتقدون أنّنا يجب أن ننظر في دعوة الجزائريّين والتونسيّين والمغاربة للانضمام إلى الحلفاء ، وتواصل فرنسا نفس الدور الذي لعبته الولايات المتحدة في حروب الإرهاب مع الجزائر، وبعد أن واجهت معارضة شديدة من الجزائر للتدخّل العسكري بمالي، لا تزال جهود الوساطة التي تقودها تعرف عراقيل، رغم أنها قطعت أشواطا هامة نحو التسوية السلمية للأزمة المالية، أين تعرف المفاوضات بين الحركات الأزوادية والحكومة المالية توقفا منذ أسبوعين، أما في ليبيا فقد كانت الجزائر من أشّد المعارضين لتدخل  الناتو  في ليبيا لإسقاط نظام القذافي، وهي اليوم تجدّد معارضتها للحرب الثانية في ليبيا، ورفضت طلبا فرنسيا بتمويل الحرب، وأخيرا الحرب على  داعش  التي أبلغت الجزائر فرنسا وقادة التحالف الإقليمي والدولي خلال مؤتمر باريس الأخير أنّها ضدّ ضرب سوريا، بحجة  داعش  وأنّ حرب  داعش  لا تعني الجزائر، فماذا حدث؟..  داعش  في الجزائر باتت جزءا من المشهد العام، عقب قصة اختطاف وقتل  هارفي غورديل .

ليست هناك تعليقات: